الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وصلى الله على خير من صلى وقام، وأزكى من زكى وقام، وعلى من تبعه بإحسان، أما بعد:
لقد جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية؛ لتصحيح عقائدها، وتهذيب نفوسها، وتقويم أخلاقها، وإصلاح مجتمعاتها، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة، وإقصائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن يتسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، ومعالي القيم، وفضائل الشيم، وكريم الصفات والسجايا؛ من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وقد تميز بنظام أخلاقي فريد، لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً.
وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية؛ لرفع الإنسان الذي كرمه الله، وكلفه بحمل الرسالة، وتحقيق العبادة من درك الشر والانحراف، وبؤر الرذائل والفساد إلى قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح؛ ليسود المجتمعَ السلامُ والمحبةُ والوئام، رائده نشر الخير والمعروف، ودرء الشر والمنكر والفساد.
إن الأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها. فصلاح الأفراد والأمم؛ مرده إلى الإيمان والأخلاق، وضعف الخلق؛ أمارةٌ على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقد أصيبت في مقتل فيوشك أن تموت.
لقد بلغ من عِظَم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر رسول الإسلام مهمة بعثته، وغاية دعوته، بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في التاريخ وغيره: {إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق}.
وفي هذا أكبر دليل وأنصع حُجة على أن رسالة الإسلام حققت ذروة الكمال، وقمة الخير والفضيلة والأخلاق، كما أن قدوة هذه الأمة عليه الصلاة والسلام كان المثل الأعلى والنموذج الأسمى للخلق الكريم.وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4] فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خُلُقَاً.
أفلا يجدر بأمته وقد عصفت بها موجات الفساد من كل جانب، وأعاصير الشر والإلحاد من كل وسيلة وطريق أن تسلك سبيله, وتترسم خطاه، وتتمسك بسنته إن أرادت الخير والأمن والنصر والسلام؟
وكما كانت سيرته العملية، وسنته الفعلية نبراساً في الأخلاق، فقد زخرت سنته القولية بالإشادة بمكارم الأخلاق، ومكانة أهلها، وعظيم ثوابها، وهي مبثوثة في الصحاح و السنن وغيرها، منها:
قولـه: {البر حُسن الخلق}، {إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً}، {ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق}، {إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم}، {أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه}، {وخالق الناس بخلق حسن}.
ولما سئل – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: {تقوى الله، وحسن الخلق}.
وقد كانت الأخلاق السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فأولوها اهتمامهم قولاً وعملاً وسلوكاً.
يقول الحسن رحمه الله: «حسن الخلق بش الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى».
ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: «حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال».
و بعد هذا كله، لنتأمل في واقع أخلاقنا، وسلوكنا مع أنفسنا، وأهلينا، وإخواننا المسلمين.
إن الواقع في هذا الشأن مرير، يبعث على الأسى، فقد زهد كثير من الناس رجالاً ونساء، شباباً وشيباً، بأخلاق القرآن في الوقت الذي نشط فيه أعداء الإسلام بنشر الغزو الأخلاقي المركز والمختلف الوسائل، والمتعدد القوالب، في مجتمعات المسلمين وأسرهم، فعمَّ الفساد والفِسق، وانتشرت المخالفات والمنكرات، وساد سوء الأخلاق، وقلة الحياء في سلوك كثيرٍ من الناس ومعاملاتهم.
فهل من عودة يا أمة الأخلاق لأخلاق القرآن والسنة؟
هل من يقظة يا شباب الإسلام! ترشد إلى المثُل العليا، وتُبعد عن سفاسف الأخلاق ومساوئ الأعمال؟
هل من رجعة يا أخوات الإسلام! إلى التزام أخلاق الدين القويم، بالمحافظة على الحجاب والعفاف والستر والحِشمة، والبُعد عن الاختلاط والتبرج والسفور وقلة الحياء؟
هل من عودة صادقة يا أمة الإسلام! إلى خلق الإسلام في حياتنا بكل جوانبها؟
هذا الرجاء والأمل، وعلينا الصدق والعمل، والله المستعان.
[notify_box font_size=”13px” style=”red”]عفوا… انتهى وقت تقديم إجابات اليوم الثالث[/notify_box]