كان خلقة القرآن (اليوم الرابع)

الحمد لله رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وخالق خلقه من تراب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعباد، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم المعاد، أما بعد:

إن الإسلام رسالة قيم وأخلاق، وقد صح عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ووصف الله عز وجل نبيه  صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وكفى بربه شاهداً، وبادرته خديجة – رضي الله عنها- حين جاءها فزعاً من أول الوحي بأن عددت مناقبه الحسنه وخلقه الجميل فقالت: (أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فانظر إلى خُلِقه قبل الرسالة، ثم تفكر في ما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَمَّا بَلَغَ أبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَالَ لأخيه ارْكَبْ إلى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ يأتيه الْخَبَرُ مِن السَّمَاءِ فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أبي ذَرٍّ فَقَال: رَأيْتُهُ يَأمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَق) فكان أول ما شد الغريب الذي يتقصى نبأ النبي الجديد أنه يدعو إلى مكارم الأخلاق ويقول كلاماً ليس من الشعر، وصفته صفية بنت حيي رضي الله عنها فقالت: (ما رأيت أحسن خُلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال عنه خادمه أنس رضي الله عنه: (خدمت النبي  صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أفٍ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا)، وتقول عائشة – رضي الله عنها- (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له ولا امرأةً ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله)، وعلى الرغم من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه، ويتعوذ من سوء الأخلاق، وتسمعه عائشة رضي الله عنها يقول: (اللهم كما أحسنت خَلْقِي فأْحسِن خُلقي)، ويخبرنا أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: (اللَّهُمَّ إني أعوذ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلاَقِ)، وهو الذي تجمعت فيه محامد الأخلاق ولكنه كثير الدعاء في كل صلاة: (وَاهْدِنِي لأحسن الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأحسنها إلا أنت وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا أنت)، وسأله النواس بن سمعان – رضي الله عنه– عن البر والإثم فقال: (البر حسن الخلق، والإثم: ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس).

ولقد جمع الله تعالى مكارم الأخلاق في قوله تعالى “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” [الأعراف 199].

وكان  صلى الله عليه وسلم يقول لصحابته ولنا من بعدهم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم)، وكان  صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وصح عنه  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خُلُقه)، وروى جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربَكُم مني مَجْلِساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً( تمثلت فيه  صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، ومن نظر في أخلاقه وشيمه  صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق، فإنه  صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانةً وأصدقهم حديثًا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفوًا ومغفرةً، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلمًا.
كان صلى الله عليه وسلم خير الناس، وخيرهم لأهله، وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، كما كان  صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء عُرِفَ في وجهه.

لم يستثن أحدًا من حسن خلقه معه حتى مع الأطفال فكان  صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم، وإذا سمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه، وكان  صلى الله عليه وسلم يحب التيسير على أمته فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (ما خير رسول الله  صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم  صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم).

وسع الناس بخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، وكان لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا في ما يرجو ثوابه، وجمع له الحلم   صلى الله عليه وسلمفي الصبر، فكان لا يغضبه شيء يستفزه، وكان النبي  صلى الله عليه وسلم باشّاً لطيف المعشر متسامحاً رحيماً، لا يقسو ولا يعنت أحداً، ولا يغضب ولا يسب، وما ضرب أحداً بيده قط، وكان سهلاً في معاملاته متسامحاً، وكان طلق الوجه دائماً، رآه أعرابي، فاسترعاه بشاشته وطلق محياه، فقال له: (أأنت الذي تقول عنه قريش إنه كذاب؟ والله ما هذا الوجه وجه كذاب!) وأسلم إذ دعاه النبي  صلى الله عليه وسلم.

كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وكان حليماً لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، ومن مكارم أخلاقه  صلى الله عليه وسلم في المصافحة والمحادثة والمجالسة أنه كان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له، وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: كان  صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك.

صلى الله على محمد فقد كان خلقه وكلامه القرآن، اللهم اجعلنا ممن حسُنت أخلاقهم، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، واهدنا لأحسن لما هديت له نبيك محمد  صلى الله عليه وسلم إنك خير مجيب وأكرم مسئول، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

[notify_box font_size=”13px” style=”red”]عفوا… انتهى وقت تقديم إجابات اليوم الرابع[/notify_box]

 

تقديم تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.