كان خلقة القرآن (اليوم الثاني)

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة ، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل ، فقال :
( فَقُلتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَت : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟
قُلتُ : بَلَى .
قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ .
قَالَ : فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ …الخ ) رواه مسلم.

قال النووي رحمه الله تعالى في “شرح مسلم”:
” معناه : العمل به ، والوقوف عند حدوده ، والتأدب بآدابه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه ، وتدبره ، وحسن تلاوته ” انتهى .
وقال ابن رجب في “جامع العلوم والحكم”:
” يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت : ( كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ ) ” انتهى .
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار:

(كان أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلاً بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولا يتورع عن مطعم حلال، لا يأكل متكئا ولا على خِوان، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، إيثاراً على نفسه لا فقراً ولا بخلاً، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أشد الناس تواضعاً، وأسكنهم في غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشْرًا، لا يهوله شيء من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة بغلة، ومرة حماراً، ومرة يمشي حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، يعود المرضى في أقصى المدينة، يحب الطيب، ويكرة الرائحة الرديئة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح فلا ينكره، يسابق أهله، وترفع الأصوات عليه فيصبر، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه، لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [ الزمانة : المرض المزمن ]، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا).
قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم ، يتيما لا أب له ولا أم ، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق ، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول ، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله.

[notify_box font_size=”13px” style=”red”]عفوا… انتهى وقت تقديم إجابات اليوم الثاني[/notify_box]

 

 

تقديم تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.