الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد روى أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
هذا الحديث يشمل ثلاثة حقوق، حق الله، وحق النفس، وحق العباد، أما حق الله تعالى فهو في قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)، وأما حق النفس فقوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، ثم حق العباد في قوله صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن).
ثالث هذه الحقوق هو: مخالقة الناس بالخلق الحسن، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وكل حياته صلى الله عليه وسلم يُلمس فيها حسنُ الخلق مع الصغير والكبير ومع المؤمنين وغيرهم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: (أثقل شيء في الميزان حسن الخلق). وقد امتدحه الله سبحانه بقوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)(القلم 4) قال ابن عباس: أي على دين عظيم. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلمحسن الخلق من دلائل كمال الإيمان فقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) رواه أحمد.
وقد كان عليه السلام أحسن الناس خلقاً، فما قال لخادم له أفٍ قط، ولا قال له لشيء فعلَه لم فعلت، ولا لشيء لم يفعله لِمَ لَمْ تفعله.
إن من أسباب السعادة حسنَ الخلق مع الناس، وأولى الناسِ بحسن الخلق هم: الأبوان، والزوج، والأولادُ، ثم سائرُ الناس، بل والطيرُ والحيوانُ.
وحسن الخلق يستر كثيراً من السيئات، كما أن سوء الخلق يُغطى كثيراً من الحسنات.
وإن من المخالقة الحسنة أن يحلُمَ المرءُ على السفهاء، وقد رُوي أن رجلاً شتم الشعبي فقال الشعبي: إن كنتُ كما قلتَ فغفرَ اللهُ لي ، وإن لم أكن كما قلتَ فغفر اللهُ لك.
أي حِلْمٍ هذا، وأي صبرٍ حين يأتي إليك إنسانٌ فيجهلُ عليك بسبًّ أو نحوه، ثم تقابل أنت ما يفعله ببشاشةِ وَجْهٍ وحلمٍ، وهدوء نفس، إنك إن فعلت هذا أخي الحبيب رجع ذلك المخطئ بإحدى اثنتين إما إلى رشده فيعترف بخطئه فيعتذر لك، وإما يموت كمداً، كما قال القائل:
إذا نطقَ السفيهُ فلا تُجِبْهُ *** فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن أجبتَه فرّجْتَ عنـه *** وإن تركتَه كَمَداً يمـوت
إن حسن الخلق صفة سيد المرسلين، وأفضل أعمال الصديقين أما الأخلاق السيئة فهي سموم قاتلة، ومخازٍ فاضحة، ورذائل واضحة، ومعالجتها هُو المراد بقوله تعالى (قد أفلح من زكاها)[الشمس9] وإهمالُها هو المراد بقوله تعالى ” وقد خاب من دساها” [الشمس 10] .
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “إذا نمت الرذائل في النفس، و فشا ضررُها، وتفاقمَ خطرُها انسلخَ المرءُ من دينه كما ينسلخ العريانُ من ثيابه، وأصبحَ ادعاؤه للإيمان زوراً، فما قيمة دين بلا خلق؟” وما معنى الإفساد مع الانتساب لله، وصدق لعمر الله فإن تزكية النفوس ربع الرسالة إذ وُصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه “يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة” [آل عمران 164]، فالتزكية ربع الرسالة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنة لمن ترك المِرَاءَ وإن كان مُحِقّاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجاتِ قائم الليل وصائم النهار) وبيّن صلى الله عليه وسلم أن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها، وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم أحاسنكم أخلاقا).
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[notify_box font_size=”13px” style=”red”]عفوا… انتهى وقت تقديم إجابات اليوم الأول[/notify_box]